کد مطلب:309774 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:287

القسمت 11


هطلت الأمطار... هطلت بغزارة فسالت أودیة بقدر، وقف النبی... راح ینظر إلی السماء و السحب تسح ما تسح من دموعها الثقال... رفع یدیه إلی عوالم لانهائیة و تضرع إلی اللَّه:

- اللّهم نصرك الذی وعدت... اللّهم لا تفلتنی أباجهل فرعون هذه الاُمة.

كان الوجوم یسیطر علی ثلاثمئة رجل. لقد خرجوا لمواجهة قافلة تجاریة، وهاهی الأنباء تحمل لهم سیوفاً و خناجر... و هاهی قریش تزحف نحوهم بجیش عرمرم.. ألف رجل إلّا خمسین.

هتف النبی بأصحابه:

- أشیروا علی:

القلق یعصف بالرجال و قد ضرب الخوف أطنابه فی بعض القلوب... نهض «عمر» قائلاً:


- یا رسول اللَّه.. انها قریش!! ما ذلت منذ عزت و ما آمنت منذ كفرت..

راح بعضهم ینظر إلی بعض وأفئدتهم هواء.

نهض المقداد وقد امتثلت أمامه قصص بنی اسرائیل:

- یا رسول اللَّه! امض لما أمرك، فنحن معك، واللَّه لا نقول كما قال بنو اسرائیل لموسی... اذهب انت و ربّك فقاتلا انّا هاهنا قاعدون، إذهب أنت و ربك فقاتلا انّا معكما مقاتلون».

أطل عزم جدید من عیون الرجال وخیم صمت ثقیل، كان النبی ینتظر موقف الأنصار فله معهم یوم العقبة عهد و میثاق.

نهض «سعد بن معاذ» و قال بأدب:

- لكأنك تریدنا یا رسول اللَّه:

- أجل.

انسابت الكلمات قویة أخاذة مؤثرة:

- یا رسول اللَّه: لقد آمنا بك و صدقناك و شهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطیناك علی ذلك عهودنا و مواثیقنا علی السمع و الطاعة.. فامض یا رسول اللَّه لما أردت.. فوالذی بعثك بالحقّ، إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد.

إن للكلمة فی القلوب أثر البذرة فی الأرض الخصبة سرعان ما


تنمو و تهب ظلالها و ثمارها...

اشاعت كلمات سعد روح الأمل شحذت الهمم بعد خوف وقلق.. طافت فی الوجه السماوی فرحة ورضا وهتف النبی برجاله:

- سیروا علی بركة اللَّه وابشروا، فإن اللَّه وعدنی احدی الطائفتین، واللَّه لكأنی انظر إلی مصارع القوم.

عبّأ النبی قوّاته و غادر «ذفران» وسلك طریق «الاصافر» ثم هبط منها، وبدا «كثیب السحنان» كجبل شامخ. وقاد النبی رجاله الی یمین «الكثیب» حتی اذا اصبح قریباً من میاه بدر أصدر أمراً بالتوقّف ریثما ینجلی الموقف.

بعث النبی «علیاً» علی رأس دوریة استطلاع للحصول علی معلومات عن قوّات قریش، أوغل علی فی المسیر و وصل آبار بدر؛ فالماء حیوی لرجال فی الصحراء، وألقت الدوریة القبض علی رجلین كانا یستقیان و ساقتهما إلی معسكر المسلمین.

كان النبی یصلی... مستغرقاً فی رحلة فی عوالم سماویة بعیداً عن ویلات الأرض و ما یجری فوق كثبان الرمال، ولما عاد إلی الأرض وجد بعض المسلمین ینهالون علیهما ضرباً... تمتم النبی مستنكراً:

- إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما؟!!


ونظر النبی الیهما وهتف:

- صدقا واللَّه.. انهما لقریش.. انهما لذات الشوكة.

وأردف متسائلاً:

- كم القوم؟

- كثیرون.

- ما عدّتهم.

- لا ندری.

- كم ینحرون؟

- یوماً تسعاً و یوماً عشراً.

التفت النبی إلی أصحابه:

- القوم ما بین تسعمائة والألف.

ثمّ تساءل:

- فمن فیهم من أشراف قریش؟

- قال أحدهما:

- عتبة بن ربیعة و أخوه شیبة.. النضر بن الحارث، وأضاف الآخر:

- و فیهم أمیة بن خلف و نبیه بن الحجاج و اخوه منبه و عمرو بن ود..


التفت النبی إلی اصحابه و قال بحزن:

- هذه مكة قد القت الیكم أفلاذ كبدها.

تفجّر فی قلوب المهاجرین غضب مقدس وهاهی رؤوس الشرك تزحف الیهم و قد حان وقت یثأر فیه المظلوم من الظالم.

كان بلال منسحباً داخل نفسه و قد تداعت فی أعماقه صور سوداء و كان وجه «اُمیة بن خلف» محفوراً فی ذاكرته بقسوة.. ما یزال جسده یئن من سیاط أمیة و شعر بثقل صخرة رهیبة تجثم فوق صدره فندت عنه آهة ألم:

- آه.. اُمیة لا نجوت إن نجا.

برقت عیناه غضباً و حانت منه التفاته فرأی عماراً، و قد علت وجهه مسحة من وجوم... أدرك بلال ان صاحبه هو الآخر یستعید حوادث رهیبة. لقد شهد مصرع والدیه بحراب «أبی جهل» ذلك القرشی المتوحش.

أصدر النبی أمره بالتحرك صوب آبار «بدر» حتی اذا وصلوا أدنی المیاه نزل النبی و كان «الحباب» و هو رجل رشید یمسح الأرض بعینین ثاقبتین، اقترب من النبی و قال بأدب:

- یا رسول اللَّه! أكان اختیارك للمكان أمراً من اللَّه لیس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه أم هو الرأی والحرب؟


أجاب النبی باهتمام:

- بل هو الحرب و المكیدة.

- لیس هذا بمنزل یا رسول اللَّه... انهض بالناس حتی نعسكر أدنی الماء نشرب و لا یشربون.

- لقد أشرت بالرأی.

و سرعان ما اتخذ المسلمون مواقعهم فی الجهة الشرقیة من الوادی الفسیح...

حل المساء وغفت العیون تترقب ما یسفر عنه عالم الغد.